معضلة العلاقات الاجتماعية


(قد تكون طريقة طرح الموضوع جارحة لبعض الأشخاص لكن لا خجل من الحقيقة حتى لو أظهرت أسوأ ما فينا)


إن أي علاقة بين طرفين تبنى على أساس هش؛ وهو إعجاب طرف بآخر سواء أكان هذا الإعجاب جسدياً أو فكرياً، وبعد التعمق في دراسة السلوكيات البشرية "الحديثة" نخلص بأن كل هذه السلوكيات مبينة بالأساس على الغرائز التي فطرت عليها البشرية منذ بدايتها ومع تطور هذه السلوكيات وصلنا لما نحن عليه مما يسمى علاقات وروابط اجتماعية. 


إن السلوكيات القديمة كانت بالأساس تهدف لنتيجة واحدة وهي التكاثر لحفظ الجنس البشري، ويختلف ذلك من الذكر للأنثى فالأنثى هي الأساس في عملية التكاثر لأن مقدرتها على الإنجاب محدودة بيولوجيا، أما الذكر فهو على النقيض وذلك يجعل منه مضطراً لإبهار العديد من الإناث حتى يقنع إحداها بأنه يصلح لأن يكون أبا لأطفالها، ويقتصر دور الأنثى هنا على الانتظار ريثما يحضر ذاك الذكر بما لديه سواء أكان بيتا أو مالاً في عالمنا الحديث أو ما كان صحة وقوة جسدية تدل على قدرته على الدفاع عنها وحمايتها هي وأطفالها.


الكذب الاجتماعي لبناء العلاقات بأشكالها المتعددة يشكل ركيزة أساسية في معظم العلاقات البشرية سواء أكانت في مجتمعات رجعية أو تقدمية، إن المشكلة تكمن في تركيبة أدمغتنا البشرية والاختلافات الرئيسة بين الذكر والأنثى ويتمثل ذلك في كون الذكر يبحث بشكل مستمر عن علاقات جديدة حتى لو لم يكن لها أفق في حياته المستقبلية فهو يستطيع تشكيل علاقات عابرة بسرعة كبيرة، أما على النقيض فالإناث بشكل عام يبحثن عن الاستقرار العاطفي لبناء العلاقات البشرية وذلك مرة أخرى يعود للاختلاف البيولوجي بين الجنسين. وهنا يأتي دور كذب الذكر على الأنثى ليعمي قلبها بمشاعره المزيفة وأحلامه الوهمية ليصل لعلاقة عابرة تنتهي بمجرد أن يعجبه أنثى غيرها. 


نستثني بالفعل تلك الفئة القليلة جداً من الأشخاص الذين يرفضون الكذب كوسيلة للوصول لمبتغاهم، والآخرين الذين يحبون بكل ما لديهم من طاقات عاطفية وبكل صدق. 


كما يقول تشارلز داروين: "لا بد لنا مع ذلك أن نسلّم أنه كما يظهر لي، فالإنسان وعلى الرغم من كل ميزاته وصفاته النبيلة ما زال يحمل في هيكل جسمه ختماَ وطابعاً يتعذر محوه من أصله المتواضع".


إن المخجل في عملية التطور التي حصلت لنا باعتقادي الشخصي هو عدم مقدرتنا على تخطي هذه العقبات البيولوجية وتكوين علاقات صادقة غير مندرجة في إطارات مزيفة، إن العلاقات البشرية بسيطة جداً واحتياجات الأفراد إن نظرنا لها بشكل تجريدي هي مثل الأكل والشرب أشياء يجب أن تكون دورية ليحظى الفرد بالراحة النفسية التي تصب في انتاجيته للمجتمع والعمل إن كان هذا هو الهدف من حياته بنظر المجتمع، لكن التعقيدات المجتمعية المفروضة على الأفراد تجعل كل اهتمامهم يتمحور حول كيفية بناء العلاقات بين الأطراف وتجعلهم في عزلة عندما لا يستطيعون تكوين العلاقات ويواجهون الرفض تلو الرفض بدون أن يفهموا الأسباب لا هم ولا حتى يفهم من رفضهم لم رفض تلك العلاقة من دون غيرها، والتي قد تكون بوجهة نظر طرف ثالث من أفضل وأنجح العلاقات التي من الممكن أن تستمر للأبد. ولكن هذين الطرفين يتجهان لبناء علاقتين لن أقول بأنهما محتومتان بالفشل ولكن لن تصبوان لأن تكونا مثل العلاقات التي كان من الممكن أن تحدث لو لم يحدث ذلك الرفض أو لو أخذ الطرف المبادر في العلاقة الفرصة الكاملة لشرح ذاته وإيصال أفكاره. 


إن الوصول لعلاقة حب أفلاطونية سامية لهو ضرب من ضروب الخيال إن لم تسمح لنفسك بتجربة العديد من العلاقات لحين الوصول للشخص المطلوب الشخص المريح الذي لا يجردك من كيانك ولا يفرض كيانه عليك، يحبك لذاتك لا لصورتك التي يريد أن يقوم بإضافة ألوانه لها مع الوقت.