إِنـِّـَهـَـآ كَغَيْرِهَا مِن اللياليْ الحَزِيْنَةِ التيْ لا يُـبَلِّـلُ ريْقيَ فِيهَا سِوَى دُمُوعِي .. لكِنَّهَا هَذِهِ المَرَّةُ مُخْتلِفَة فَأنَا أبْكِيْ وَأحْزَنُ وَيُصِيبُنِي اليَأسُ وَالإحباطُ وَالكَآبة لأجلِ مَنْ هِيَ ليْسَتْ حَبيْبَتِيْ
لـَـيـْلـَـة ٌسَوْدَاءْ صَامِتة سَاكِنة بِلا قَمَرٍ وَلا نورٍ .. يَتخلَّلُ سَمَائهَا بِضْعَة نُجُومٍ لا تُشِعُّ إلا عَلَىْ نفسِهَا .. لَيْلة لا بَاردَةٌ وَلا حَارَّةٌ لها جَوٌ أظنُّهُ رَائِعٌ لِمَنْ يُحِبْ .. يَتلاقَى فِيْهَا الأَحِبَّة يَضْحَكونَ وَيَمْرَحُونَ يَتكَلمُونَ وَيَحْلمُونْ .. يَبْكُونَ وَيَحْزنُونَ يَصْمِتُونَ وَيَتشاجَرُونْ وَمَعَ إشْرَاقةِ صَبَاحْ .. يُضْحِي كلُّ ذلكَ جُزْءَاً مِنَ المَاضِيْ وَيَرْجِعُونَ أحِبةً بَلْ أَجْمَلَ أحبةْ كَمَا كَانُوا قبْل تِلْكَ الليلة
اْلـَّـيـْـلْ .. كَمَا هُوَ مُعْتادٌ فَهُوَ هُدوءٌ وَسَكِينةٌ وَرَاحةٌ نفسيةٌ وَجسميةٌ أيْضاً .. لا نُتعِب أنفسنا فيْ التفكيرِ لا نتشاجرُ مَعَ أنفسنا لا نحْزن إلا قلِيلاً نُراجعُ مَا كانَ فيْ الصباحْ نُحاولُ إصْلاحَ أخطائِنا نَنْدَم قلِيلاً وَنخلدُ للنومْ .. لكنَّنِي لا أتَوَقعُ أنَّ ليلتِي مِثلَ هَذِه الليَالِيْ فأنَا لَمْ أُحَب فيْ حياتيْ .. لَمْ أُعْشَق وَلَمْ أُحِسَّ بحَنانِ إنْسَانَةٍ رَائِعَةٍ وَلَمْ أصَادِف مَنْ هِيَ شَريكتيْ فيْ حياتِيْ يَا تُرَى هَلْ سَأنضَمُّ لِتِلك الليَالِي يَوْمَاً
لـَـآ أَظُنُّ ذَلِك فَأنَا بَعِيْدٌ كُلُّ البُعْدِ عَنْ الحُبْ , عَنْ العِشْقْ , عَنْ الوَلَهْ .. فأنَا وُجِدْتُ كَيْ أحْزَنْ فقطْ وَأبنيْ حُزْناً فَوْقَ حُزْنِيْ وَأَبْقَىْ .. وُجدْت كَيْ أحْزَنَ بِصَمْتٍ مُؤلمٍ وَيَفرَحُ الناسُ منْ حوليْ بحُزني لأنَّهُم يُخدَعُونَ بِفَرَحِي وضَحِكِيْ .. وَيَا لِهذه الضِحِكَة التِي أُحَاسَبُ عَلَيْْها فِي الثانيةِ! .. فعِنْدَ ضَحِكِي أُسألُ لِمَ تضْحَك وَهَلْ فَرِحْت؟ أَأُحْسَدُ عَلَى فَرَحِي أيضاً.. لا ليْسَ هذا فَقَطْ فَإنَّنِي أيْضَاً أُحْسَد عَلى صَمْتِي وهُدوئِي وأُسأَلُ عَنْ حُزنِي وعَنْ بُكَائِي .. وَلكِنَّ رِضَا الناسْ غايةٌ لَمْ وَلَنْ تُحَقَّقْ وَهَذا مَا لا أهْدُف إليْه
لـَـآ لَمْ أضْحَك يَوْمَاً وَلا أظنُّ أنَّنِي سَأضْحَك أيْضَاً كيفَ ذلكَ وأنا قطعاً لم أُحَبْ .. بالرَّغْمِ مِنْ أنَّنِي قدْ عَشِقت بكُل رُوْحِيْ وَأحْبَبْتُ مِنْ كُلِّ قَلْبِيْ وَضَحَّيْتُ بأغلىْ الناسِ عَلَيْ لأجْلِ مَنْ أُحِبْ وَلَكِن .. إنَّنِي أُذلُ وأُهانُ لأجلِ حُبِّيَ وَحَبيبَتِيْ وَلكنْ هَذا فِداً لِشُعُورِيْ بنَسْمَةِ حُبٍ , بنسمةِ حَنينٍ , بنسمةِ شوقٍ , بنسمةِ راحةٍ أبديةٍ وَلَآ أشْعُرْ
لـَـآ لَم أطلبْ يَوماً أنْ أصِلَ القَمَرَ بَلْ بَقِيتُ فيْ بيتيْ أنظرُ إليهِ وَأتأمَّلُ جَمَاله .. وَلمْ أطلبْ يوماً أنْ أحْظىْ بحُبٍ أفلاطُوْنِيٍّ أوْ أنْ أمتلكَ قلبَ إنسانٍ وَمَشاعِرهُ بَلْ بَقِيتُ وَاقِفاً أمَامَهُ أرْمِيْ إليهِ بَعْضَ كلماتٍ لعلَّهُ يُحِسُّ مَا فِيْ دَاخِلِي تِجَاهَهُ .. لمْ أطلبْ سِوَى الحُب وَقليلاً قليلاً مِنَ الحُبْ
بـُـنـِـيـَـتْ حَيَاتِيْ عَلى تعَالِيمَ كثيرةٍ ومُعتقداتٍ كَثيرةٍ لمْ أرَ فِي دَاخِلِها رَغْمَ تخَلفها بنَظرِيْ بِأنَّ الحُبَّ شَيْءٌ مَنبوذٌ أوْ مرفوضٌ أوْ غريبٌ غَيْرُ مرغوبٍ فيهِ .. بلْ رَأيْته مُعَظَّماً مُدَلَّلاً يَحْظَى بقِسْطٍ كَبيرٍ مِنَ الأهَمِّيِةِ فيْ حَيَاةِ الإنسانِ فَهُوَ ليْسَ مُحَرَّمَاً وَلا عَيْباً .. فقلتُ فيْ نفسِي وَبنَظْرَةٍ برِيْئةٍ مَا هَذا المُسَمَّى الجَمِيل .. فلِـ أُحِب
لـَـمْ أَجِدْ فِي حَيَاتِي كُلَِّها وَطِوَال سِنِيْنَ تعَرُّفِيْ عَلى البَشَرِ حُباً صَادقاً وَاحِداً .. رُبَّما أكُوْنُ قدْ بَحَثْتُ وَأبْحَثُ فِيْ الأشْخاصِ الخَطَأ وَلكِنْ هَلْ كُلُّ الناسِ خطأٌ وَلا يٌحبون؟ .. لا أظنٌّ ذلِك وَأتوَقعُ أنَّ الحُبَّ بَاتَ وُجْهَة نظرٍ أو نَظَرِيَّةً لِكُلِّ إنْسَانٍ يَأخُذُهَا مِنْ أيِّ زَاوِيَةٍ يُشَاءْ وَيَتحَكَّمُ بِهَا كَمَا يُرِيدُ هُوَ فقطْ
اْلـْـصـَدَآقـَـةْ .. كَمْ أصْبَحْتُ أكْرَهُ هذهِ الكلمَة مِنْ بَعدِ هَذِه الليلة إنَّنِي أقتنعُ بِعَدَم وُجودِ مَعْنىً للحُبِّ فِي قلوْبِ الناس وَلكننِي أجِدُ الكثيرَ الكثيرَ مِنَ الأصدِقاءْ يَحمِلون مَعانٍ للصَّدَاقة .. مُختلفة وَمُتعددة وَكثِيرة وَكُلُّ وَاحِدٍ يُمَارِسُهَا كَمَا يَشاءُ وَيَضَعُ حُدوداً لَها أيْضَاً كَمَا يَشاءْ .. رُبَّما هَكذا هِي لكننِي لا أعتقدُ أنَّهَا اسْمٌ مُتعدِّدُ المَعَاني بَلْ إنَّ لَها مَعْنىً وَاحِداً مُتمَيِّزاً عَنْ الحُب بأشيَاءَ كثيرةٍ .. لكننِي حَقِيقة بتٌّ لا أعْرِفُ مَعْناً لِهَذه الكَلِمة .. إنَّ كُلَّ مَا تُسَمَّى عَلاقاتٍ أوْ روابطَ بينَ البشرْ وخاصَّة بينِي وبينَ مَنْ حَوْلِي أصْبَحت تسَمَّى صَدَاقة وَكَأننِي أبْحَث عَنْ حُبٍ فِي دَاخِلِ صَدَاقة! .. وَلكِن رَغْمَ كثرَتِها أوْ تفوُّقِها عَدَدَاً عَلى الحُب فإننِي لمْ أجدْ المَعْنى الذيْ أرِيْدُه فِي مَنْ يُسَمَّوْنَ أصْدِقائِي رُبَّما أكُوْن حَالِماً وَذا أحَلامٍ كبيرةٍ وَبِلا حُدُوْد لكننِي وَبالمُحَصِّلةِ لمْ أجدْ منْ أسَمِّيه صَدِيقاً بِحَسب تفكِيرِي وتصوُّرَاتِي
مـَـعَ مُرُوْرِ سِنِيْنَ حَياتِي أصْبَح مِنْ أسَاسِيَّاتِها أنْ لا أبْحَثَ أوْ أنتظرَ حُباً وَكَذلكَ صَدَاقةً وَلنْ أبْحَثَ بَعْدَ الآن لأنَّنِي تَيَقَّنْتُ بِأنَّ الحُبَّ وَالصَّدَاقةَ التِي أُرِيْدُ هُما ليْسَا مِنْ نصِيبِي .. كَذلِك فَإِنَّنِيْ إنْ أخْطَأَ قلبِيْ وَأحَبَّ إنسْانَةً فَإنَّها لَنْ تكُونَ مِن نصِيبِي وَلنْ يَكُوْنِ لِي مَن أحِبْ وَمَن أعْشَق يَوْماً .. إنَّ الصَّدَاقة التِي حَاوَلت بهَا توْسِيْعَ نظرَتِي وتصوُّرَاتِي عَنْ البَشَرْ وَتفكِيرِهِم ونظَرَاتِهم المُخْتلِفة عَنْ الحَيَاة أصبَحَت الآنَ أكبَرَ عَائِقٍ عاطفيٍ فيْ حياتيْ لسببٍ بسيطٍ جدَّاً ألا وَهُوَ أنَّنِي أبْحَثُ عَنْ حُبٍّ وَاحِدٍ وَالحُبُّ يُعَدُّ أسْمَى العَوَاطِفْ فِيْ دَاخِل الإنسَان .. وَلأننِي لمْ ولنْ أجدْ هذا المُسَمى فِي مَنْ حَولِي فإِنَّ كُل أنوَاعِ الصَّدَاقة المُتعارَف عَليها حَالياً لنْ تكفِيني لِتَغْطِية مَا يُسَمَّى فرَاغَاً عَاطِفِياً فِيْ حَيَاتِيْ
لـِـذَلـِـكَ قَرَّرْتُ .. أنْ لا أؤمِنَ بِحُبٍ بَعْدَ حُبِّيْ وَلا أؤمِنَ بِصَدَاقةٍ بَعْدَ صَدَاقَتِيْ وَلا أؤمِنَ بصدقٍ بعدَ كذِبيْ وَلا بِعِشقٍ بعدَ كُرْهِي وَلا بِرَاحةٍ بَعْدَ تعَبيْ .. وَلا بِخِيَانةٍ بَعْدَ إخلاصِيْ لأنَّ الخِيَانةَ لَمْ تُصْبِحْ إلا لُعْبَةً جَمِيلةً يَلْعَبُ بِهَا مَنْ يُرِيْدُ أنْ يستمتِعَ فقطْ وَأظنُّ أنَّنِي سَوْفَ ألعَبُ بِهَا