لِمَ يَحدثُ كلّ هذا؟


لديك الكثير لتخسره في هذه الحياة، ولا أتكلم هنا عن الخسارة المادية التي من الممكن أن تكون مالية مثل مشكلتي الأساسية في هذه المرحلة من حياتي ومنذ ما يقارب الأربعة سنوات ومن الممكن أن تكون خسارات مادية لوجود أشخاص في حياتك يتراوحون بين علاقات عابرة لزملاء أكاديمين مروراً بالأصدقاء وانتهاءاً بالعائلة والأحباء. بل أتكلم هنا عن الخسارة المعنوية الذاتية التي سبق وقمت ببناء مكاسبها على مدى سنين حياتك كلها.

أتكلم هنا عن مفاهيم الحياة البسيطة والجميلة التي ينادي بها الجميع: مفاهيم الصدق والصداقة، مفاهيم الأمان والراحة النفسية تجاه الأشخاص، مفاهيم الحب العاطفي والجسدي ومفاهيم الحب العائلي "اللامنتهي". بين قوسين

على مدى عدة سنوات كان سهل الملاحظة أنني أصنف كطالب ممتاز إلى جيد جداً جامعياً وذكياً جداً في معظم الأمور الحياتية البسيطة والعلمية التي تطالها معرفتي لكن الأهم من ذلك لاحظت أنّي مجرد فاشلٌ عاطفياً بكل ما تحمله الكلمة من معنى أي أني لا أستطيع أن أحب كما يحب الناس بتلك السذاجة والبساطة وبدون تلك التعقيدات والعقد في مخيلتي. من الصعب جدا كان بالنسبة لي أن أدخل مجرد علاقة عابرة سواء أكانت جسدية أو حتى وجود عاطفي للحديث والتنفيس العاطفي للذات، ليس سهلاً مجرد التفكير باحتمال انتهاء أي علاقة لدي وعند كل نهاية علاقة كان يتضح لي الكثير لكن مؤخراً فقط وجدت أساس المشكلة هذه وحاولت بطريقة أو بأخرى حلها. 

تكونت هذه المشكلة جراء خسائر عاطفية كبيرة في حياتي قد تمتد منذ هذا اليوم وعودة إلى طفولتي، هناك الكثير من المفاهيم الجميلة التي بنيتها وحاولت الحديث عنها لأصدقائي ومعارفي وحاولت شرحها مطولاً من مفاهيم الصداقة المختلفة في مخيلتي ومفاهيم الحب الأفلاطوني الذي أحلم به منذ الصعر ومفاهيم البناء العائلي المتماسك، لكن كلما كبرت وعشت الصدمات العاطفية التي أحسبها وكأنها أساس الحياة السليمة للوصول للمفاهيم النهائية لكل الأمور ولإيجاد الطريقة المثلى للعيش في مجتمع مختلف كلياً عن ما يدور ببالك.

منذ بداية تكون تلك المفاهيم والتجارب الحياتية تحاول تشويه صورتها وللأسف نجحت: كان لدي الكثير لأعطي لمن أُحِب أو لمن سأختار لأُحِبَّ أو لمن سيختارني لأُحَبْ. لكن كل ما واجهته من مشاكل كانت بالأساس مادية وتحولت لدمير على مستوى كبير في عقليتي وفي عاطفتي نظراً لعدم الاختلاط بالناس بشكل طبيعي لمدة تزيد عن ثلاثة سنوات قضيتها وراء الشاشة يوماً أكافح لاستغلال اليوم بأخذ العلم، ويوماً يضيع لمحاولة الاستمتاع بجمال الرياضة، ويوماً يضيع بلا أهداف، يوماً أعيش حياةً افتراضية على مواقع "التواصل الاجتماعي" بين قوسين، ويوماً أعتزل كل تلك المواقع. 

بامكانك أخذ قليل من الوقت لتخيل هكذا حياة مع "قليلٍ" من الضغط عليك بأنك قد تدخل السجن تحت اسم جنحة لا دخل لك بها ولم تستفد منها شيئاً، ثلاث سنوات على هذا الحال بلا علاقات حقيقية سوى بداية علاقات في جامعة جديدة لم تكن ترتقي لمستوى الصداقة بعد، لينتهي بي الحال هكذا متلفاً عاطفياً وحيداً وبحاجة للبدء من جديد، بدأت المشاكل منذ ذلك الحين بدأت أُنَحِّي مبادئي جانباً وبدأت بمحاولة الدخول بعلاقات أعتبرها بلا معنى لن ترتقي لتكون عاطفية ولا حتى لمستوى صداقات قوية كل هذا لمحاولة سد فجوة كبيرة تكمن بالوحدة التي عانيتها على مدى ثلاث سنوات. ابتداءاً بأشخاص فارغين ليس لديهم ما يعطوه في هذه الحياة سوى علاقات باردة.. وانتهاءاً بأشخاص مناقضين بالمطلق لفكري. 

خلال هذه الفترة الغير مستقرة حاولت جاهدا الحفاظ على العلاقات العائلية التي وضعت وصفها باللامنتهية بين قوسين استنكاريين، ما الذي حصلت عليه مع نهاية الثلاث سنوات؟ لا شيء البتة، لا اعرف كيف سينظر البعض لي في الأعين كيف سيواجهون كل تصرفاتهم اللامبالية والغير مراعية لظروف فرد "منهم".

على كل حال لم يعد هناك ما سأندم عليه لم يعد هناك ما أنا مضطر لشرحه وتفسيره بعد الآن. 

أعتذر عن الذين سيطلبون مني اعادة بناء علاقات معهم على مستوى العائلة أو على مستوى الصداقات القديمة التي للمحافظة على ما تبقى من كرامتي في تلك العلاقات وجب انهائها. 

لن أكون حِمْلاً على أحد،
لن أحتاج أحداً عاطفياً مجدداً،
لن أحتاج للحديث عن مشاكلي مجدداً، 

اتضحت المشكلة الأساسية في علاقاتي بعد تسعة سنوات دامت في علاقة مدٍّ وجزرٍ هي لا تصنف لا كعلاقة عائلية ولا كصداقة ولا كحب، كنت مستشارها العاطفي والعائلي حتى صديقها الوفي الذي لا يغار عليها ويقف جانبها بحاجاتها للحب، مثلت هذه العلاقة على مدى سنين حياتي المركز لكل فكري العاطفي المركز لبناء عواطفي الروحية والجسدية، كنت مرتاحاً حتى بدون حب وبدون حاجة للحب بهذه العلاقة كاستناد اسند عليه كل عواطفي، توترت هذه العلاقة منذ سنتين وتذبذبت عواطفي وباتت حاجاتي العاطفية واضحة، عندما انتهت هذه العلاقة أصبحت في موقف ضعف وبدأت موجات الجنون العاطفي من بحث عن علاقة جسدية عابرة لبحث عن حب عميق لبحث عن صداقات بلا معنى لبحث عن علاقات رفاقية فكرية، كل هذا لسبب ظهر لي بعد فترة عميان عاطفي بعد انتهاء تلك العلاقة. عندما أحسست أن الأمل بتلك العلاقة قد انتهى تحركت مشاعري وطاف الحب إلى السطح، نعم تلك العلاقة التي لم أكن قادراً على تحديد ماهيتها تبين أنها العلاقة الوحيدة التي صدقت مع نفسي فيها وكنت بحاجة لها لاكمال حياتي. وعندما انتهت انتهى كل شي. 

من الجيد أن كل هذا التذبذب انتهى كل هذا العشق والوله ذهب بلا عودة أو لنقل لن أسمح له بالعودة أبداً، هذا ما مهَّد لتطور تفكيري لبدئي من جديد بحلة جديدة بفكر عاطفي جديد بحاجات جديدة وبمادئ جديدة، كل شيء قديم يجب أن يذهب ليترك مكاناً كافياً لمشاعر وعواطف جديدة. Ameed v2.0 

محاولة بناء إنسان مستقل تحتاج الكثير من الوقت والكثير من البيانات والكثير من الصدمات لتؤمن بذاتك، هناك الكثير لأقدمه لأي علاقة مقبلة لكن أشك بوجود ذلك الشغف والإيمان بأي علاقة قادمة لقد اختلف كل شيء بالنسبة لي.

الأصدقاء أتلفوا مفهومي للصداقة، كان لي أمل بعلاقة أخيرة وانتهت بلا أسباب بلا نهاية تليق بتلك العلاقة ومعها انتهت آخر رابطة قريبة مني. 

بالطبع ومن الملاحظ أن لا حظَّ لي في الحب، لا في علاقات بدأت لسبب الحب ولا في علاقات تطورت عن صداقة، وفي النهاية خسرتها كصداقة أيضاً. 

تتمثل المشاكل ببساطة باتجاهين الأول هو ارتفاع سقف طموحاتي في أي علاقة أدخل بها وكمية الأمان التي أعطيها للشخص المقابل لي، والثاني هو هبوط مستوى المفاهيم الحميدة للأشخاص أي أنهم يدخلون العلاقات وينهونها بلا ذلك التفكير العميق بالمستقبل وبكم الأشياء التي يمكنهم تقديمها للعلاقة دون النظر لما يقدمه الطرف الآخر وبالطبع اعتقادهم الخاطئ بأن علاقة يبدأها ويتفق عليها طرفان يمكن لطرفٍ واحد أن ينهيها. 


لمحاولة حل كل شيء مرة واحدة اتخذت قراراً بتجاوز كل علاقاتي السابقة المنتهية أو التي تستنزف كل مشاعري بلا اكتراث من الطرف الآخر، ليس هناك ما يسمى اعجاب بالشكل أو الشخصية، ليس هناك ما يسمى بالحب خاصة ذلك الحب القليل المعايير، ليس هناك صداقات ليست على قدر كبير ولا تستطيع اتمام سنة واحدة في وجه المشاكل. لم يعد هناك مجال لاعطاء فرص لعلاقات انتهت كما قلت وسأقول فلنترك القديم لافساح مجال للجديد.  



Ameed v2.0

Heineken

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق