عـُـزلـَـة




ها أنا ذا أقف لمواجهة الحياة وحدي ثانيةً لكنني هذه المرة أقف وحدي وبإرادتي ... لست بعيداً جداً عن الناس من حولي فأقربهم يبعد الكيلومترات القليلة ومن أقربهم أيضاً من يبعد المترات فقط ... لكنني وحدي الآن , ليس من فترة بعيدة لكن ينتابني الشك بأنها ستطول كثيراً ... لا أعرف لمَ كل هذا لكنّي متأكد بأن لا شيء سيء جداً حصل لي خاصة هذه الفترة ليس إلا مشكلة هنا ومشكلة صغيرة هناك روعتي ليست هنا ولا هناك وأنا أحس بأني ضائع بين كل ما يحصل لم أعد قادراً على تحمل أي أعباءٍ جديدة 

نواجه في حياتنا الكثير من المشاكل التي تبعدنا عن نفسنا حيث لا نستطيع أخذ قسط من الراحة ونبقى مشغولي الذهن طيلة الوقت لا شيء يفرحنا ولا يؤثر فينا ما يحوم حولنا من كلمات ومشاعر مبعثرة ... نواجه في حياتنا الكثير من الأشخاص الذين نتمنى عدم وجود أي شخصٍ في حياتنا لأجلهم , هؤلاء الذين يتنزعون سعادتنا ويفقدوننا بهجة الحياة وبرائة المشاعر ... قد نتحول بلمح البصر أو بكلمة ما إلى أشخاص آخرين مختلفين تماماً عن من كنا ... بهذه المشاكل أو مع هؤلاء الأشخاص ولأصحاب الحظوظ السيئة تكون المشاكل جنباً إلى جنب مع الأشخاص السيئين ... نكون هادئين محبين لمن حولنا بطبيعتنا لكننا ننقلب لتتفجر أعصابنا ولا نستطيع إيقاف غضبنا ولا نحتمل كلمة أو حديثاً مع من يُحبونا الذين بحالتنا الطبيعية نقضي ليلنا ونهارنا ننتظر قدومهم إلينا أو ذهابنا إليهم حتى نلتقي وننزع منهم بسمة واحدة تكفي لنملأ بها كأس مشاعرنا ولنسكب ما في كأس أحزاننا

في هذه الأيام القليلة الماضية تبعثرت أفكاري ومخططاتي لمستقبلي صحيح أني لم أتوصل سابقاً إلى حل جذري لكن تبادرت لي بعض الأفكار التي قد تساعد على حل بعضٍ من مشاكلي ... تبعثرت أيضاً مشاعري تجاه كل شيء لا أعرف الآن أني أحب هذا الشيء أم أكرهه لا أعرف أيضا إن كنت راضٍ عن تصرفاتي أم لا، لا أقدر على الحكم عليها بمقدار صحتها أو خطئها , أصبحت أفكاري مشوشة حيث لا فكرة تدوم لأكثر من خمسة دقائق ... أمضي معظم وقتي صامتاً لعلي أستطيع التركيز في أفكاري لا أجد ما أتكلم به , أمضي وقتاً كبيراً أمام شاشة التلفاز لا أعرف ما أشاهد ولا يروق لي شيء حتي إني أكون مستمتعاً ببرنامج معين وعند نهايته أكتشف بأنه لم يعجبني كثيراً

بعد هذا الكلام أحس بأني الآن جالسٌ على كرسي طبيبٍ نفسي أشرح له ما أمر به لعله يعطيني نصيحة ما أو يساعدني على تفريغ أفكاري السلبية واستبدالها بالإيجابية أو لعله يقول لي أكثر من الجلوس مع هذا وقلل وقتك أمام التلفاز أو على الإنترنت وعِش مع الناس بأجوائهم وابتعد قدر إمكانك عن المشاكل التي تدور من حولك ... قد تكون هذه فكرة جيدة "أن أتوجه لطبيب نفسي" لكنني فضلت شيئاً آخر اعتدت على فعله منذ صغري ألا وهو "العزلة" هذه الأخيرة التي تريحني من نفسي وتعطي مجالاً أوسع لأفكاري بملئ مخيلتي والجلوس هادئاً مع نفسي قليلاً ... قد تكون حلاً انهزامياً بنظر الكثيرين لأنها تفضي بابتعادك عن واقعك وعن مشاعر الناس من حولك وعن مشاعرك تجاههم , قد تكون أيضاً بمثابة هروب من ذاتك ومن تحليلاتك لما يدور حولك , لهؤلاء الذين يظنون ذلك أقول نعم أنا أوافقكم الرأي

الإنسان بطبيعته حر بفكره يختار ما يحلو له أو يختار أحياناً مجبراً وأحياناً أخرى يوضع في طريق لها اتجاهان مختلفان لا يدري ما يوصلان إليه فيضطر إلى الاختيار أي طريق سيسلك ... وفي الحالة الأخيرة لا أتوقع أن الندم -إن كانت تلك الطريق التي اختارها هي الطريق الأسوء والتي يواجه فيها العديد من المشاكل- هو خيار جيد لأنه ببساطة كان يجب عليه أن يختار أو كان بأمكانه الوقوف على مفترق الطرق هذا وانتظار المساعدة التي قد لا تأتِ وإن أتت فإنها ستكون متأخرة لا محالة لأن هذه حياته ولا أحد بجانبه طيلة الوقت ليكون مرشداً له فيها ... عند وضعك أمام إختيارين أو حتى عند وضع كوبين من العصير أمامك -وأنت تحبهما الإثنان- يجب عليك أن تختار واحداً ... لا يجب عليك الندم لأنه من ناحية نظرية "إذا افترضنا أنك اخترت الكأس الأول وكان سيء المذاق أو به مشكلة ما ستقول في نفسك كان يجب علي إختيار الكأس الآخر , ومن الناحية الأخرى إذا افترضنا أنك اخترت الكأس الأول وكان جيد المذاق ستقول في نفسك أنا أحب ما في الكأس الثاني أيضاً لِمَ لمْ أختره؟!" ... وإن عدنا للاختيارين الموضوعان أمامك فإنهما بطبيعة الحال مجهولا النتائج وإن اخترت أحدهما فإنه لن يعجبك حتى لو كان جيداً لأنه من الطبيعي أن يحدث شيء سيء حتى لو كان بسيطاً في هذا الإختيار


أحْلُمُ بالسُّكونْ

هذا فقط ما أريد الآن سكونٌ أبدي ... ما أجمل السكون سكون الكونْ , سكون الإنسانْ وحتى سكون النونْ ... أحلامي هادئة أفكاري مشوشة قليلة حياتي مبعثرة كل هذا لن يوقفني عن الحلم بأني أحيا حياة جميلة وبأني أحظى بكل ما أريد وكل هذا أيضاً لن يمنعني من تحقيق ما أريد ومحبة من أريد وكره من أريد ... أنا "أنا" معكم أو بدونكم

قد تبدو الجملة الأخيرة بعيدة عن سياق الكلام بغض النظر أنها غريبة نسبياً , لكن هذه الجملة ستكونُنِي من الآن فصاعداً ... بما أن الناس أحرار في مشاعرهم وبمن يحبون ومن يكرهون فإني لن أفرض على أحدٍ حبه لي أو حتى تقبل حبي له من الآن فصاعداً سيقبل الجميع بدون ذلك الاكتراث الزائد الذي كنت أعطيه لهم ولمشاعرهم تجاهي ولآرائهم بي ... آراء الكثيرين لا تعنيني حقيقة لكني كنت أعطيها الكثير من الاهتمام وأغير من فكري ومن طريقة تعاملي مع كل واحد على حدة كنت متعدد الوجوه لأجل من حولي ... الآن أنا مختلف عما سبق والفضل في ذلك يعود لعزلتي , سأبقى مثلما أنا لفترة كبيرة لن يؤثر بي أي شيء ولن يؤثر أيضاً أي شيء على أحلامي وطموحاتي في حياتي ولن أقبل بأنصاف الحلول كما الأحزاب السياسية الفلسطينية ... وأنا أيضاً لا أحب كلمة رضا