سيكولوجيَة الانسآن المقهورْ - ألمرأة





ها نحن وقد بدأنا من جديد بترتيب أفكارنا وتخصيص مواضيعنا لكي نفهم أنفسنا ... عندما قرأت هذا الكُتيّب لم يأتِ بالجديد الكثير على مخيلتي لكنه أضفى تنظيماً أكبرَ على آرائي حول القهر ... هي كلمة تصعب حتى على النطق لكنها وبأسفٍ شديد متواجدة بيننا وبين ما نحيا به ونحاول تغيره بكل ما أوتينا من جهد

كتاب قديم بلا تاريخ طباعة ... وكتب بعض من عناوينه بخط اليد لكن معظمه كتب بآلة الطباعة الفورية القديمة ... د.مصطفى حجازي يتكلم به بحرقة شديدة وبأسى لن أضع نقداً أو ما شابه بل سأطرح بعضاً من فقراته أو جمله التي أظن أنها ستفي بغرض فهم ما يحاول قوله ... يحتوي الكتاب ملخص لمصطلحات كثيرة ذكرت ضمن نصوص الكتاب لكنني سأكتفي بمقدار قليل من الكتاب بذلك لن أضطر لتفسيرها أو وضع تعريفاتها

في تمهيد الكتاب يقول : " تكون الجماهير في حالة قصور واضح في درجة التعبئة التي تؤهلها للرد والمقاومة , فيبدو وكأن الاستكانة والمهانة هي الطبيعة الأزلية لهذه الجماهير " ... هذا يجعل صورة مشوهة لهذه الجماهير بنظر المحيطين بها ويجعلهم مقتنعين بأن هذا هو الأفضل لهذه الجماهير لأنها لا تقوم بالرد أو التمرد أو بأي شكل من أشكال الرفض ... كما يقال فإن السكوت من علامات الرضا ... لكن هذا غير صحيح فكلما تفاقم القهر وعشش في صدور أبنائها ستنبت بذور الانتفاضة بشكل أكيد وحتمي وستجعل من هذا الشعب الساكن شعباً قوياً رافضاَ لكل ما يمس كرامته


وضعية المرأة

المرأة هي أفصح مثال على وضعية القهر بكل أوجهها بسبب تجمع كل تناقضات المجتمع في كيانها مما يعكس هذه التناقضات على سلوكها وتصرفاتها وهذا خطير جداً لأن المرأة تشكل عامل البناء للمجتمعات خصوصاً النامية منها فهي التي تربي الذكر والأنثى فهي تقوم بنقل التناقضات التي تحملها من خلال المجتمع إلى أبنائها ... ولأن المرأة أكثر عناصر المجتمع عرضة للتبخيس فهي تنفرد بالقهر لنفسها حيث يتم تبخيس قيمتها على جميع الأصعدة : الجنس , الجسد , الفكر , الانتاج , المكانة ويقابل ذلك المثلنة المفرطة عند الرجل حيث ينظر إلى وضعية المرأة على أنها : الطيّبة , المحبة , ينبوع الحنان , رمز التضحية ... كما تحمل المرأة المشتهاة جنسياً عند الرجل المحروم مكانة أسطورية ولا أبالغ إن قلت مقدسة ... وينظر إليها أيضاً على الجانب الآخر على أنها المرأة العورة , المرأة رمز العيب والضعف , المرأة القاصر الجاهلة , المرأة الأداة التي يمتلكها الرجل ليحقق بها منافع متعددة


المرأة في الوسط الكادح وما تحت الكادح – مقتطفات

هناك تحديد وتوزيع للأدوار بين الرجل والمرأة بشكل متكامل جدلياً من خلال تناقضه ...هناك مبالغة واضحة في قوة الرجل وذكورته ومكانته وتقدير مدى تحمله وقدرته على كسب الرزق وتدبير أحوال الأسرة وفي عدوانيته وسلوكه الهمجي وشجاعته ... لكن حتى ترجح الكف الثانية للميزان ولتوزيع الأدوار بين الطرفين يجب على المرأة أن تلعب دور العاجزة والتي ليس لها سوى الوسيلة السحرية في الدعاء والتوسل والرجاء والتمني والشتم وصب اللعنات ... مقابل عقلانية الرجل يوكل إليها العاطفية والانفعالية وبمقدار تهديد مكانة الرجل في الخارج تتعزز قوته داخل المنزل لأسباب تعويضية دفاعية فهو السيد مسموع الكلمة ذو السلطة 

المرأة في الأوساط ما تحت الكادحة تصل أقصى درجات القهر من خلال تنكر المجتمع لوجودها عند إنجابها حيث توضع وهي طفلة في مكانة ثانوية مقابل الطفل الذكر الذي يعطى كل القيمة وتتحول إلى خادمة للأب والأخ حين تستنزف طاقة الأم وتفرض عليها كل القيود في طور البلوغ وتتابع مسيرتها كي تصير أداة للمصاهرة حيث يباع جسدها لقاء تغطية أعباء نفقاته من الزوج كي يتخذ منه أداة لمتعته ووعاءً لذريته وجهازاً حركياً يقوم على خدمته 

في العلاقة الجنسية يقع الغرم على المرأة دائماً المرأة هي المذنبة أبداً ... مذنبة إن استسلمت للإغراء قبل الزواج ومذنبة إن لم تنجب ومذنبة إن لم تنجب ذكوراً ... وفي مقارنة بسيطة بين ذنب المرأة وذنب الكادح نجد أن الكادح أيضاً يتحمل الوزر كله في الحياة اليومية : فهو الجاهل والكسول غير المنتج وغير المدبر ... حيث يعتبر الكادح المرأة أداة لمتعته كما يعتبر الاقطاعي الرجل الكادح كأداة للغني وزيادة الثروة ... وكما يقيد جسد المرأة ويؤجر جنسياً واقتصادياً من خلال القوانين المختلفة الدينية والمدنية التي تحاول تطويقه بقسوة من أجل ترويضه على الرضوخ كذلك فان هذه القوانين سلاح في يد الاقطاعي لاستغلال طاقة الرجل وتطويق جسده وسلاح للجم كل التعبيرات التمردية التي تهدد الاقطاعي وتخيفه


المرأة في الوسط المتوسط

هذه الفئة أي المتوسطة تفهم وضع المرأة وتعطيها العديد من الميزات والحرية حتى تأخذ قسطاً متفاوتاً من العلم وتخرج من سجنها التقليدي وأن تبدأ حياة منتجة وتشارك الرجل الأعباء والمسؤوليات داخل وخارج الأسرة ... وترى هنا الرجل يتحدث عن المساواة وعن تحرير المرأة ولكنه لا يستطيع التخلي عن امتيازاته بسهولة ... ونتيجة للقهر التي رُبيت عليه قبل دخولها في هذا الوسط فإنها تعاني تناقضات داخلياً فهي لا زالت محافظة مقيدة داخلياً مع تحرر ظاهري كما يعاني الرجل من هذه التناقضات فهو ما زال متمسكاً بوضعية السيد وامتيازاته مع ادعاء المساواة وتأييد حقوق المرأة


المرأة في الوسط ذا الإمتياز

لا تعاني هنا من القهر بمعناه المادي فهي تعزز وتحتل مكانة رفيعة الشأن وتحظى بكل التسهيلات الحياتية وتتقلب في ضروب النعيم على حساب نسوة أخر يقمن بالعمل بدلاً منها ... وإن كانت قد أفلتت من القهر فلن تفلت من الإستلاب حيث يطمس عقلها ويوكل إليها دور المحافظة على الأسرة وتقاليدها وامتيازاتها فهي بذلك تذوب كليا في هذه الأسرة حتى لا يبقى لها أي كيان خاص ويوكل إليها أيضا دور زيادة سطوة الأسرة وبسط نفوذها من خلال المصاهرة إذ تضم ثروة الأب إلى الزوج أو جاه الأول للثاني فهي بذلك تشكل أداة احتكار الامتيازات والاحتفاظ بها ضمن حدود الأسرة ... إن حريتها محدودة فهي لها الحق في التصرف والاشتهاء كما تشاء لكن ضمن القفص الذهبي للأسرة فإن تمردت عليه فلا عجب إن سجنت حريتها فعلياً 

تتعرض المرأة هنا لأخطر أنواع الاستلاب ألا وهو الاستلاب العقائدي حيق تزيد لها وضعيتها كأداة وتربط قيمتها بمقدار كلفة الأثاث ومدى ترف وفخامة الزفاف ... حيث يتمثل دور المرأة بعد الزواج باستعراض لجاه الأسرتين وثروتهما إنها بكل بساطة أداة دعاية لزوجها ووالدها

سأكتفي بهذا القدر من هذا الكتاب لكنني لن أنتهي من هذا الموضوع بعد ... أي القهر , وضعية المرأة وما شابه ذلك لأنها تحوي تفرعات كثيرة يجب التطرق لها لكن لليوم أكتفي ... لا عجب عند مقارنة الأوساط الثلاثة في واقعنا ومجتمعاتنا فإننا نجد الثلاثة أوساط عندنا فيتواجد لدينا وسط الكادح وما تحت الكادح متمثلاً بالفقراء والكادحين لكنها ليس بشديد ونجد الوسط المتوسط في معظم المجتمع لدينا لأننا ننتمي بغالبيتنا لهذه الفئة أي المتوسطة وهناك الفئة ذات الإمتياز المتمثلة في الفئات الرأسمالية لدينا ... التي نظنها متحررة وتملك كافة الحرية خاصة من ناحية انصاف حقوق المرأة وتعليمها واتخاذ قراراتها بمفردها ... سأختم موضوعنا اليوم بردة فعل المرأة على هذا القهر الذي تعيش فيه


دفاع المرأة ضد وضعية القهر

المرأة بإنسانيتها ستسعى لأن تثور غضباً ضد هذا النوع من القهر المتراكم عليها ... لكن الرجل عادة ما يسعى للهروب من هذا الظلم حيث يتنكر لما هو واقع فيه ويحاول قلب الأدوار حتى يريح من نفسيته ويقنع نفسه بأنه ليس تحت ظروف القهر ليحتفظ بقوته وكرامته ... هنا يحتل الرجل مركز المسيطر والسيد على المرأة ... وهناك طريقتنين لانقلاب المرأة على واقعها المهين حيث تحتضن النرجسية* فتجعل من نفسها ومن أنوثتها فخراً وكياناً ترضى به فالمثلنة تضعها في منزلة سامية في المنزل تمحو وضعية القهر التي تخضع لها ... وأيضاً تعتبر وظيفة الأمومة التي تمتلكها المرأة جزءاً من تضخم نرجسي يحيط بها حيث تعطي كل امكاناتها وقدراتها في هذه الوظيفة حتى أنها قد تهمل نفسها وكينونيتا الانسانية مقابل الأمومة وتضخيم وظيفة الأمومة يؤدي لتضخيم مكانة الطفل وامتلاكه من قبل المرأة مما يؤثر سلباً على الطفل وعلى المجتمع من بعده فهنا يبقى الطفل مهما كبر في العمر مرتبطاً بروابط خفية بالأم

هنا أيضاً تمتلك المرأة سلاحاً آخر لتجابه به الرجل والقهر الذي يتسبب به ألا وهو مثلنة جسدها كشيء مرغوب به ... فهي تؤمن بأنها تملك شيئاً تستطيع إعطائه ومنعه متى أرادت وهي متمرسة في هذا ... وبامتلاكها رغبة الرجل تسيطر عليه وعلى عقله حتى نصل إلى المثلنة والتقديس اللاواقعي لجسد المرأة ... وتجد في لعبتها هذه أي الاستمرار بجذب الرجل إليها ومن ثم منعه متعة لتغطية حرمانها الجنسي ولكنها لعبة مرضية ليس فيها سوى وهم الإشباع ووهم إرضاء الجسد والنفس ...هذا كله يزيف كيان المرأة ويزيف عواطفها الحقيقة من خلال تحولها لآلة استعراض عوضاً عن الإثراء العاطفي والعلائقي وقيمها الذاتية والطريقة الثانية لانقلاب المرأة على واقعها هي السيطرة غير المباشرة على الرجل إن المرأة باستغلالها لضعفها الظاهر أمام الرجل تخفي قوتها وسيطرتها الفعلية على الرجل حيث توهم الرجل بأنه السيد والمسيطر حتى تقوم بالسيطرة بشكل خفي



*النرجسية : ترجع من حيث اشتقاقها اللغوي إلى أسطورة نرسيس اليونانية , ذلك الانسان الجميل الذي أعجب بصورته على صفحة الماء وما زال منكباً عليها بتأملها حتى أودى به الغرق . تعني النرجسية نفسياً ترتكز كل نزوة الحب في الذات بشكل يمنعها عن رؤية ما عداها , يسجنها في حدودها في حالة من الفتنة والاعجاب , ويؤدي إلى موتها بالتالي نظراً لحرمانها العلاقة والتفاعل مع الغير باعتبارهما أساس كل وجود وكل تحقيق للذات