ماذا قدمت لي مؤخراً؟




صراع أخير بين عقلي وعاطفتي.. 
خوفٌ كبير في قلبي، مشاعري مضطربة، أحاول الموازنة بين كل ما يحدث، أحاول فهم لِمَ يَحدثُ كلّ هذا؟
أحاول جاهداً أن أبقى يقظاً لأبعد حد، قد لا أستطيع ذلك بعد اليوم.. ليس بسبب ضعفي لكن لسبب عدم اكتراثي بما يحدث حولي هنا

يبدو أن محاولة فهم الحياة ليست بالأمر الهين حتى وإن كنت يقظاً، كان واجباً علي أن أكون يقظاً بكل جوارحي لأخلص بما سأخلص به في هذا الموضوع، من الصعب الوصول لهذه القناعة؛ بأن لا مكان لي هنا لهذا الإيمان؛ بعدم وجوب الإيمان بشيء أو بأحد 

مذ صغري وأنا أتجنب الكذب بأبسط الأمور وأعقدها، حتى وصلت لما أريد وهي مرحلة عدم الحاجة للكذب على من أحب أو على أصدقائي وعائلتي! نعم لا حاجة للكذب والإنكار واخفاء الحقيقة وأكرر لا حاجة وأنا متيقنٌ من ذلك

كفى نفاقاً وخداعاً، أنا أعرف أنك تكذب أرى الكذب في عينيك وأبقى صامتاً احتراماً لنفسي، وإن أخفيت كذبك جيداً سأعرف أنك تكذب عاجلاً أم آجلاً لأن لا كذب يدوم، لن أقبل الكذب بعد اليوم، لا أتكلم عن الكذب التقليدي هنا أتكلم عن الكذب بالمشاعر بالحب وباظهار الصداقة المبنية على المصلحة الأحادية الطرف. لن يبق من هذا النفاق شيئاً، لي حُججي ولي طرقي في ازالة كل ما تبقى من كذبكم

لنعد لسبب كتابتي للموضوع للقناعة التي توصلت إليها للنتيجة التي كنت أتجنبها منذ سنين أو لنقل منذ بداية مسيرتي في الجامعة، لم أعد ذاك المراهق بسيط التفكير (الاجتماعي) بعد الآن كل شيء تقعد في حياتي ومع ذلك تعقد تفكيري، وأصبحت تائهاً بين استنتاجات متناقضة بين شهر وآخر ومحاولة تحديث فكري بالكامل بين وقت وآخر، لم يكن هناك عيبٌ في طريقة تفكيري ومنطقي في فهم الأمور من حولي وكيفية الاستجابة والرد لما يحدث من حولي العيب كان حولي وبالتحديد في المشاكل التي واجهتها التي تصب جميعها في مكان من الطبيعي أن يكون الإطار الذي يحميني لا الإطار الذي يحدد طموحي ويقتل أحلامي

لنعد أيضاً لسبب الخوف الذي أعيشه والذي لا يعد خوفاً بحد ذاته، بل كان تخوفاً من شيء والآن بات إيماناً بحتميته ألا وهو نتيجة لسؤال قد أسأله لأي شخص في حياتي الآن! مهما ظن بأنه عزيز وقريب وبأني أحبه هل سيستطيع الاجابة؟ والأهم هل ستكون الاجابة في إطار زمني مقبول بالنسبة لي

سيأتي اليوم الذي أسألك فيه... ماذا قدمت لي مؤخراً؟

من المخجل عدم استطاعتك الاجابة على هكذا سؤال بسيط يحمل في طياته ألف معنى ومعنى بالنسبة لي وبالنسبة لما وصلت إليه بعلاقاتي، هنا تكمن معضلتان المعضلة الأولى تتلخص بتوجيه هذا السؤال لقريب لك! وعدم استطاعته الإجابة بالسرعة الكافية والمعضلة الثانية هي معضلة الإطار الزمني هنا تتضح بمحاولتك تذكر ماذا فعلت لي لصداقتنا لعلاقتنا العائلية للحم العاطفي الكبير في الأيام السابقة في الأسابيع الماضية في هاتين السنتين! الثلاث سنوات! مجرد محاولتك تذكر كل هذا ولهذا الوقت هذا يعني أن علاقتنا قد انتهت منذ سنين وأعتقد أنِّي من بادر بالكلام بذلك السؤال الذي سيضع بالغالب حدا لكذبنا في هذه العلاقة

هناك طابع جديد في لم يتغير حتى اللحظة!، وهو اعتذاري الدائم عن أخطائي التي أحسست بأني ارتكبتها والتي أثرت في علاقاتي ولم أحس وأقنع بأني ارتكتبها وفي الحالين أعتذر بنفس الطريقة وأصل لنفس النتيجة 

طابع آخر لم يتغير حتى اللحظة!، يتخلص بكوني أبادر في إعادة احياء أي علاقة سابقة بالسؤال عن أحوال الطرف الآخر والاستماع له مطولاً والاكتفاء بالاجابات المختصرة عن نفسي حتى يتسنى لي الوقت لأتركه يتكلم وأنا استمع وبالتالي يحس باهتمامي به. نعم يحق لي عدم الحديث عن نفسي بشكل مطول إن لم أسأل بطريقة مباشرة ومن أشخاص أحس بأنهم مهتمون لم سأقوله

عند سؤالي ماذا قدمت لي مؤخراً؟ لأي شخص في مخيلتي هناك من يجيب بالسرعة الكافية ويقول لقد وقفت بجانبك خلال مشاكلك أو فعلت كذا وكذا، وهناك من يقف صامتاً محاولاً جاهداً أن يستذكر شيئاً كبيراً ذا معنى ليحكي عنه وعندها تمحى آخر محاولاتي لابقائه قربي وآخر محاولاتي للبقاء قربه. صمتك هنا يعني أنه ليس لديك شيء لتقوله، يعني أني حاولت وأبقيت على علاقة أحادية بيني وبينك واكتفيت أنت بالأخذ لا العطاء

أساس كل العلاقات الأخذ والعطاء -بالطبع لا أتحدث هنا عن المال- وعلى افتراض أن طرفاً يعطي بشكل غير مشروط بأخذ سيكون هذا جميلاً لفترة من الزمن لكنه سيتنزف عواطفك وروحك وحبك للطرف الآخر. هناك لحظة واحدة تفرق بين كوني مكترثاً مهتماً لأمرك وبين عدمه، هذه اللحظة هي طريقة اجابتك على ماذا قدمت لي مؤخراً؟ 

أكثر شيء محبط هو مشاهدتك لأحلامك تتهاوى الأول تلو الآخر، من حلم بالسفر والدراسة في جامعات تحترم نفسها، لحلمك بحياة اجتماعية صحية مبنية على الأخلاق الحميدة لا على الكذب والنفاق والخوف والحقد ومحاولات الانتقام، لحلمٍ عظيم في حبٍ أفلاطوني غير مشروط، منعزل، مستقل، يكافح ليبقى، بسيط جداً. عند ربط كل هذا ببعضه أرى أن عدم سفري واندماجي في واقع مناقض لفكري التقدمي هو سبب انهيار تلك الأحلام، لم يعد هناك وقت لبناء حياة اجتماعية ولم يعد هناك شغف لبناء الحب في قلبي

مجرد إدراكي لكل ما حدث لي الآن هو مشكلة للكثيرين ممن يفترضون مني حباً غير مشروطاً، هنا الكلام عن العائلة والأصدقاء. مجرد تفكيري بالأشخاص هؤلاء يذكرني بكل حدث سيء حدث لي، بكل ما كان علي مواجهته فقط لأنهم يرون أن التصرف الصحيح هو كذا وكذا. محاولة التحول لحياة الرأسمالي التي لم أقنع بها يوماً والتي كانت السبب في الانهيار المالي الذي أواجهه أنا وعائلتي كل هذه مرتبطة ومتشابكة وتنتهي لاخطاء إنسان والمشكلة أنه ليس أنا