حرمآن




كلمة بذاتها صارخة ... كلمة تصف نفسها وتتكلم عن نفسِها وتُسْكِت فرحنا وبهجتنا ... من يعرف عن هذه الكلمة أكثر مِن مَن حرم من حريته ... كم تعني لي في حياتي , كم تعني لكم

بالنسبة لي فهي تعني الكثير ... لأنها تربَّت بجانبي وكَبُرت مثلما كبرت وكلما كبرت أنا زاد حرماني قليلاً وزاد أثره عليَّ أضعافاً ... إن كلمة "حِرْمَانْ" واسعة المعاني وتتراوح بين حرمان الطفل من اللعب وحتى حرمان الشعوب من الحياة لكنني لا أعاني حرمان الطفل الآن وكذلك ما زلت على قيد الحياة مع الأخذ بعين الاعتبار بأن مفهوم الحياة اختلف قليلاً عما أعيشه

كنت أعتقد حتى فترة ليست بالبعيدة بأن حرمانَ الجسد قوي ليجعلنا ننسى كل ما يحيط بنا ويقتصر كل ما يدور في رأسنا على حرمان جسدنا مما يحتاجه كالطعام والشراب أو الحركة والراحة ... لكنني بدأت باكتشاف الشيء الأقوى وذا الوقع الأكبر علي الحرمان النفسي أو لنقل حرمان الروح والعقل من أبسط حاجياتها ... حرمان النفس شعور قاسٍ جداً على مشاعر الإنسان ولا يمكن تفادي الأضرار المترتبة على استمراريته في حياة الإنسان ... استمر كثيراً هذا الشعور في حياتي ولا أعرف إن تغلبت عليه قبل أن يقضي على حالتي النفسية المتدهورة منذ مدة طويلة لكنني الآن لا أُحِسُّ بأية مشاعر حتى الحرمان تلاشى من حياتي قد يكون مؤشراً جيداً وقد لا يكون لأنني حتى هذه اللحظة لم أحس بمشاعر جميلة لا أخفي أنني أحسست بقليل منها لكن لفترة وجيزة

الحنان , العطف , الحب , الحرية , الحرية , الحرية , الراحة , الرفض , القبول , التحليل , النقد , الحب أيضاً للمرة الثانية كل هذه من حاجات الروح والعقل ... الحب الأول كان الحب ببساطته بعاطفة حنان العائلة والأصدقاء الحب الثاني هو ما يتبادر لذهنك عند سماعك لهذه الكلمة بقوته وبثباته وبجماله .... أما بالنسبة للحرية فهي حريتنا التي فقدناها منذ الأزل كبشر نستحق الحياة بحرية وهي حرية التفكير وحرية الاعتقاد وأيضاً حرية الإنسان بتصرفاته الإنسانية وأبرز الأمثلة على حريتنا المفقودة الحب بكل ما يحمله حرفاه من معنى

الحلم ... وكم من أحلامِنا مُزِّقت ... كم من مرة جلستُ أناطِر القمر وأستمع للموسيقى حتى يصفى ذهني وأستطيع أن أحلم وعندما أفكر بشيء تأتي ألف فكرة وفكرة تمنعني من إكمال أبسط أحلامي حتى عندما أفكر بأشياء كنت معتاداً على فعلها تأتيني الأفكار لتمنع علي حُلمي ... لا أخفي على أحد حجم أحلامي الهائل وأيضاً لا أخفي نهاية هذه الأحلام حتى نهاية تفكيري بها قد كتبت موضوعاً بهذا الخصوص ولن أعيد الكلام الآن

نبكي كل يوم على قبور أحلامنا حتى نتذكر أياماً قضيناها نحلُم ... أياماً كانت لنا فيها مشاعرَ حية كانت لنا فيها عيوناً تبكي وقلوباً تصرخ ... أياماً حُبسنا فيها داخل أحلامنا وتفوقت فيها أحلامنا على واقعنا وعشنا أحلامنا وخسرنا واقعنا والآن فقدنا قدرتنا على الحلم أيضاً تبقى أحلامنا مدفونة حتى يأتينا الأمل أو كحدٍ أدنى أن نحلم به

في صغرنا حُرمنا من البوح بمشاعرنا والآن نحرم من التمتع بها ... هذا الحرمان يتحمل سببه المجتمع الذي ولدنا فيه بعاداته وتقاليده البالية وخرافة الدين أيضاً وهل يوجد في حياتنا مشكلة لا يتربع الدين والرُّسل على قمة مسببيها ... ليس هذا ما يدور في فكري الآن المشكلة العظمى هي الطرف المقابل لك أي الشخص الذي تحمل له هكذا مشاعر في معظم الحالات تطغى الأنانية على الإنسان وكذلك النرجسية حتى يصل به الحال لتقديس نفسه عن باقي الأشخاص كل هذه المشاكل النفسية تؤثر كثيراً على حصولك على حريتك وتعبيرك عن مشاعرك

يبقى لدينا القليل مما نسميه الأمل حتى نبقى أحياء ولا نفكر بسذاجة ويذهب بنا فكرنا لإنهاء حياتنا البائسة وإنهاء الضغوط المترتبة على عيشنا في هكذا مجتمع ... لا لن ننهي حياتنا مع أننا قد فكرنا لمرة أو اثنتين بأن نفعل ذلك حين كنا في أسوأ حالاتنا النفسية لكن تصادف المرتين هاتين وجود شخص واحد قادر على إبقائنا أحياء نحيا لأجله ونعطيه القدر الأكبر من حياتنا ... لا نستطيع شكر هذا الشخص فقط نستطيع الصمت والابتسام حين يكون أمامنا لأنه لا كلام يكفيه ولا فعل أيضاً ... يبقى هذا الأمل لنحيا به وحتى ولو لم نملك الحرية التي نحلم بها وحتى وإن بقينا في قفص الحرمان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق