أيام سوداء تمر

أيامٌ سوداءُ تمر ونور الشمسِ تختفي في سماءِ أرضِنا المقدّسةِ "غـَزَّةْ" .. تحتَ معنى إبادةٍ جماعيةٍ لشعبٍ غير معترفٍ بهويتهِ بأرضهِ بحقوقهِ بإنسانيتهِ .. نسمعُ أصواتاً جديدةً لنْ أضيعَ وقتي بوصفها ولكنها تتعالى وتتعالى وتقولُ " إِنـّـَهُ خَـطَـأُ حَـمَـاسْ " .. مَا أَجْمَلَ الخِيَانَةَ العَلَنِيَّة

بعدَ سنين طويلة ربّما يظنٌّ هؤلاء بأننا قدْ حصلنا عَلى هُوِيّتنا وربّما يَكونُ مَعَهُم كُلُّ الحَقِّ بذلك فلنا الآن وَطَنُنَا الذِي نَعِيْشُ فِيْه بسَلامٍ وأمنٍ واستقرارْ! .. بعدَ سنين مُقاوَمَةٍ مِن طَرَفْ وإبَادةٍ وتدميرٍ وسلبٍ ونهبٍ وانتهاكٍ نتوقعُ أننا قدْ حَصَلنا عَلى مَا نُرِيْد .. وكَأَنَّ ذلك الكَيَانَ قدِ اندحرَ فيْ عرضِ البحرِ أو جَرَفه النَّهْرْ .. وقدْ يعتقدُ الكثيرون ويؤمنونَ بأننا قد اكتفينا مِن سَفكِ الدِّماءِ وقَتْلِ الأَرْواحِ وتَدميرِ الأرَاضِي .. لَكِنْ لَآ وَأَلْفُ لَآ

هذا هُوَ التّفسيرُ الوحيدُ حتّى يسمّى بِالخَطَأ أَو الذّنبْ أَو أَيِّ تَعْبيرٍ مُشَابهٍ يُلقِي باللومِ عَلى طرفْ .. لكننا إنْ أتينا منَ الناحيةِ الأخرَى فَنَحْنُ بِألسُننا نَقُوْل بِأَنَّ حَمَاس هِيَ مَنْ سَبَّبَتْ هذا الدَّمَارَ والخَرابْ .. وهلْ يا ترى نكونُ قدْ تخلينا عَنْ وَطَنيتنا التيْ تقتضيْ ثبَاتنا وتَحُثنا عَلى المُقاومةِ وعَنْ كُلِّ أَرْوَاحِ شُهدائِنا وَعَنْ كُلِّ شِبْرٍ قدْ سُلِبَ مِنْ أَرْضِنا المُقدَّسَة .. هذا واضح بتعبيرات قادَاتنا هُنا فيْ جُزءِ وَطَنِنا المُجَزَّءِ الآخَرْ

خِيَانَةُ الوَطن مَا هِيَ الآنْ إِلّا وُجْهَةُ نَظَرْ .. لَكِن مَا يُهِيْنُنَا كَشَعْبٍ صَامتٍ وسلطاتٍ خائنة هُو أن نضعَ مَصالحَنا الحِزْبِيَّة فَوقَ كُلِّ اعْتِبَار تُشْبِهُ عِبَارَةْ الثَّوَابِتُ الوَطَنِيَّةُ فَوْقَ كُلِّ اعْتِبَارْ .. والمشكلةُ هُنا تكمنُ فيْ أنَّ قاداتِنا السِّياسية تَتَوَقع وتقرِّر وتنفذ وننفذ أيضاً وكلُّ ذلكَ بَعيداً عَنْ وَطَنِيَّتِنا وبَعِيداً عَنْ مُسَمَّى وَطَنٍ وَأرضٍ مقدسة

نحنُ نسميْ هذهِ الحربَ حرباً علىْ حماسْ ولا ندريْ حقيقةً مِقدارَ عَواقب هذا التعبيرِ .. إنَّ عواقبَه تَصُب مُبَاشرَة فيْ أهدافِ حماسْ بعيدةِ المدىْ .. إنَّ حماس والحَرَكات الاسلامية التيْ تتبنىْ فكرَ "الإسلامِ السياسيِّ" تَتَّخِذُ مِنَ الإحتلالِ ووجودَ اسرائيلْ نظرةً دِينية متطرفةْ فتقولُ بأنَّ اليهودَ "أو تحديداً مَنْ يَعْتنقُ الدِّيانةَ اليَهُودِيَّة" هُمْ مَنْ يَحتلونَ أَرَاضِي فلسطينْ .. بحيثْ يعتبرونَها بدورهِمْ أيْ الحَركاتِ الإسلامية أراضِ وَقْفٍ أوْ بتعبيرٍ آخرْ "أرضٌ للمسلمينْ" بِلا وجودٍ لدياناتٍ أخرىْ .. وأكبرُ نتيجةٍ تتكونُ عَنْ هَذا التعبيرِ أنَّ أهالِيْ فلسطين كافةً بَدَوْ يَعْتنقونَ فكرةَ "تديينِ الحربْ" أو تحويلها مِنْ حربٍ علىْ القضيةِ التي سأتكلم عنها الآن إلىْ حربٍ عَلىْ الإسلامِ والمسلمينَ والأراضِ الإسلامية وكمَا أرَى فَإِنَّ كَثِيرَاً جِدَّاً مِنَ أبناءِ شعبنَا الضَّاللينَ أوْ مُشتتيْ التفكيرْ أو غيرِ المنتمينَ لأفكارٍ وطنيةٍ ثابتةٍ هُمْ الذينَ قدْ تَبَنَّوْا هَذا الإعْتقاد الذيْ تتبناهُ حَمَاس وَهذا الإعتقادُ هوَ وَريثٌ لِحَرَكَةِ الإخْوَانِ المُسْلِمِيْنْ .. وَهذا يَجْعَلُ الحَرْبَ بَيْنَ الفلسطينينَ والإسرائيليينَ حرباً بينَ طرفينِ أحدُهُمَا مُسْلِمٌ وَالآخَرُ يَهُوْدِيٌّ .. مِمَّا يَنفي كَونْهَا حَرْباً للدِّفَاعِ عَنْ الإنسانِ الفلسطينيِّ أوْ نُصرةٍ لحقوقِ الإنسانِ وِفْقَ المَفاهيمِ الحديثةِ المعترفِ بها دولياً وعالمياً

نأتِيْ الآنَ لللإعتقادِ السابقِ الذيْ تبنتهُ مُنَظمةُ التحريرِ سَابقاً أوْ فيْ بِدَايَاتِ الإحْتِلال وتحْدِيْدَاً قَبْلَ ظُهُوْرِ حَمَاس وَأفكَارِهَا الدِّينيةِ البحتة وَالذِيْ كَانَ يتبناهُ الشعبُ الفلسطينيُّ بِمُعْظَمِهِ وَالذيْ يَتلخَّصُ بِكَوْنِ القضِيَّةِ الفِلسطينيةِ قضيةً وطنيةً وسياسيةً بحتةْ .. والذيْ ينفيْ كَوْن الحَرْبِ عَلى فِلسطينَ والإحتلال هُوَ نِتاجٌ عِن الدِّيانةِ اليهوديةِ أو اليهودِ تحديداً وَهذا مَا كَانَ يُرِيْدُه الإحتلال نفسه بحيث يستطيعُ أخذَ أرضٍ ليبنيَ فيها ديانتهُ ويمارسُ فيها معتقداتهِ .. أي شعب بلا وطنٍ يَأتي علىْ وطنٍ يظنونه بلا شعبٍ يديرهُ .. فِإنَّ مُقَاوَمَتنا عَنْ وَطَنِنا هِيْ مِنْ أَجْلِ الوَطَنِ والأرض والهوية الفلسطينية فقطْ وَمِنْ أَجْلِ أرضٍ ننتميْ إليْها وَهِيَ ردةُ فعلٍ طبيعية لاحتلالِ شعبٍ لشعبٍ آخر ضعيف كما حَدَث ويحدثُ فِيْ كَثِيرٍ مِنَ الدُّوَلِ الضَّعيفةِ التيْ ثَارَتْ وتَحَرَّرَتْ أوْ لَمْ تَتَحَرُّر وَهَذِهِ المُقَاوَمَةُ مَشْرُوعَةٌ لِكُلِّ الشُّعوبِ تحتَ إطارِ الدِّفاعِ عن الوطنِ وعن النفسِ ولكنَّ تَحْوِيلَها لأي سببٍ كانْ لحربٍ دينيةٍ يَعنِي تحْوِيلَ أرضِ فِلسطينَ إلىْ أرضٍ إسلاميةٍ بعيداً عَنْ مَنْ يَسْكُنْهَا وَعَنْ شَعْبِهَا وتحديداً (المسيحين واليهود) الموجودينَ أصلاً فيها مِنْ قَبْلِ قِيَامِ إسرائيل فيْ فلسطينْ بحيثِ أنهمْ سَيُضْطَرُّونَ للرحيلِ جبراً أو اختياراً ولكن تحتَ ضعطْ إلىْ دولٍ أخرىْ لأنْها دولةٌ إسلاميةٌ فقطْ .. وهذا أيضاً يَضعُ حَمَاس والحَرَكَات التيْ تتبنىْ الإسلامَ السياسيّ موضعَ وريثٍ وحيدٍ لهذهِ الأرضْ ويضعُ بينَ يَدَيْهَا حَقَّ التَّصَرُّفِ الكاملِ فِيْ كُلِّ مُمْتلكاتِ الأرضْ

ليستْ هذهِ هيِ مشكلتُنا الوحيدةُ بَلْ إِنَّ ضَلالَ شَعبِنَا بَاتَ أكبرَ وأوسعَ وأشملْ .. وَهذا يتبينُ فِي كلامِ وآراءِ شعبنا السياسيةِ التيْ اصبحتْ مُحَصِّلةُ لآراءِ قادةٍ ووزراءٍ اسرائيليينْ .. كيفَ ذلكَ ونحنُ نسمعُ بعضَ أبناءِ شعبنا يدينون قذفَ الصواريخِ عَلى إسرائيل ! .. وَهَل هَذا العَملُ بَاتَ مُحَرَّماً أوْ بَاتَ عَيْباً عَليْنا كَشَعْبٍ متعرضٍ للإحتلال منذُ زمنٍ بعيدٍ .. بأنْ نقومَ بالدفاعِ عنْ أرضِنا بكُل مَا أُوْتِينَا مِنْ قُوَّةٍ ؟! .. لَا أظنُّ أنَّ هَذا عَمل مُخْزٍ كَما يَعْتَقِدُ الكثيرون من أبناءِ فلسطينِ وأخصُّ بالذكرِ منَ حملَ بندقيةً وقاومَ فيْ بدايةِ الإنتفاضةْ .. وأيضاً المنقادينَ لأفكارٍ سياسيةٍ أتوقعُ أنَّها بَاتتْ نِتَاجاً لأفكارِ الحَرَكَةِ الصَّهْيُوْنِيَّة

لنْ أطيلَ كلاميْ لأننيْ وأنا أشاهدُ هذه الأحزانِ كنتُ بحيرةٍ منْ أمريْ وكنتُ أتسائلُ ما إذا كانَ مَنْ يَخْرُجُ وَيَتكَلَّمُ فِلسْطينياً أو عَرَبياً أو صَهْيُونياً !.. وأقولُ وبأسفٍ شديدٍ بأنَّ قضيتنا ما بقيَ منها سوى رئاسةٍ وحكومةٍ وأشباه وزاراتٍ طبعاً باختلاف بسيطٍ عنْ دولِ العالمْ بحيث أنَّ لَنَا رَأيينِ سِياسيين مَرْكَزِيَّين عَلى أَرْضِنَا لَا يَجْتَمِعَانْ وَلَا يَتّفقانِ عَلى شيءِ حَتَّىْ لَوْ كَانْ الحُـــرِّيَّةْ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق